اعتبر ماتيو بريسان، أستاذ العلاقات السياسية والاستراتيجية بجامعة ماريا أسونتا الحرة بالعاصمة الإيطالية روما والمحلل لدى كلية "دفاع الناتو" بروما، أن الوضع المؤسسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني في لبنان حساس جداً و أن البلاد ينزلق نحو الهاوية، محذراً من خطر زعزعة استقرار كبيرة جديدة في البحر الأبيض المتوسط، فيما على إيطاليا التصرف في هذا التحدي المعقد.
ويأتي ذلك مع قرب مرور عام على الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت والذي كشف عن القضايا الحرجة في لبنان. فيما لا يزال لبنان بلا حكومة حيث اعتذر رئيس الوزراء الأسبق سعيد الحريري عن تشكيل حكومة مؤخراً.
وتطرق بريسان، في مقابلة مع مجلة “فورميكي” الإيطالية، لعجز السياسة اللبنانية عن تقديم إجابات حقيقية وتنفيذ الإصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي ثم جائحة فيروس كورونا والانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي وأودى بحياة 200 شخص.
واعتبر بريسان أنه من الناحية السياسية فإن تخلي الحريري عن تشكيل سلطة تنفيذية رفيعة المستوى جاء نتيجة الخلاف العميق بين رئيس الوزراء السابق والرئيس اللبناني ميشال عون وصهره جبران باسيل ورفض عون تشكيل الحكومة التي اقترحها الحريري و المطالبة بإضافة وزيرين مسيحيين آخرين وهو ما كان الحريري سيرفضه.
وأضاف الخبير الإيطالي أن هناك مسألة أخرى هي رغبة عون في إعادة انتخابه لولاية أخرى بعد انتهاء ولايته الحالية أو التأكد من أن باسيل هو الرئيس المقبل.
وفيما تتقدم فرنسا والولايات المتحدة لقيادة عملية دولية تطلب من السياسيين اللبنانيين كسر الجمود والإصلاح الذاتي وإنقاذ البلاد. تنشط السعودية في هذه المبادرات التفاوضية ويبدو أن إسرائيل ترغب في مساعدة لبنان من خلال مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
وقال بريسان إن المدخلات الدولية انطلقت مباشرة خلال قمة العشرين في ماتيرا. كما هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون تشكيل حكومة جديدة.
وفيما يخص الفاعلين الإقليميين، يربط العديد من المراقبين التخفيف المحتمل للأزمة اللبنانية بالانتهاء من اتفاق جديد حول النووي الإيراني، وقال بريسان إن هذه القراءة يمكن أن تكون بالتأكيد لها علاقة، لكنها قد لا تكون كافية لسد الفجوة الكبيرة بين قطاعات كبيرة من المجتمع اللبناني والطبقة السياسية.
ولم تندلع الأزمة في لبنان عام 2019 بل تعود أصولها إلى الحرب السورية وعدم الاستقرار الذي اندلع في المنطقة من سوريا. ومن انهيار السياحة والبناء إلى تأثير اللاجئين السوريين، و إلى الاشتباكات بين المعارضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله ومؤخراً بين الجماعات الجهادية وحزب الله.
وقال بريسان في هذا الصدد إن حزب الله بني رواية رابحة وإجماعًا سياسيًا حاسمًا على هذه القصة سواء في الإطار البرلماني أو من أجل الديناميكيات التي أدت إلى انتخاب الرئيس اللبناني عون، فيما ساهم الجيش اللبناني في أصعب سنوات الأزمة السورية في الدفاع عن الدولة اللبنانية.
وبسؤالة إذا كان الجيش اللبناني الذي يمثل القاسم المشترك الوحيد للبنانيين في أصعب اللحظات يعد كذلك اليوم، قال بريسان إن تأثير الأزمة الاقتصادية على الجيش اللبناني قد يكون له عواقب وخيمة، حيث توظف المؤسسة نحو 80 ألف عنصر، يكسب معظمهم ما يعادل 800 دولار شهريًا، لكنه انخفض إلى ما بين 70 دولارًا و 90 دولارًا، موضحاً أن الأرقام بعيدة عن احتياجات الجيش اللبناني للبقاء على قيد الحياة وتعليم أبنائه، وفي حال انهار الجيش اللبناني بعد الطبقة السياسية فإن المتطلب الأساسي الأخير للدولة لن يكون موجوداً.
وتطرق بريسان لإسرائيل التي عرضت بالفعل مساعدات إنسانية العام الماضي بمناسبة انفجار بيروت كما عرض وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المساعدة الإنسانية للبنان أيضا هذه الأيام عبر القنوات بين الجيش الإسرائيلي واليونيفيل، وأوضح أن تصريحات غانتس تعكس تحولا في الطريقة التي تنظر بها إسرائيل إلى الأحداث حيث تشعر إسرائيل بالقلق من خطورة الأزمة اللبنانية الداخلية التي تتدهور بسرعة، كما تتخوف من احتمالية تقديم إيران نفسها على أنها منقذ البلاد.
واعتبر أنه من المبكر فهم ما إذا سيكون هناك قدرة في 4 أغسطس عبر المؤتمر الذي دعت له فرنسا حول لبنان على تتبع مسار وظيفي لتشكيل حكومة، أم محاولة إيصال لبنان إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في مايو 2022 من خلال المساعدات الإنسانية.