أندريا مانتشولي، رئيس منظمة أوروبا الأطلسية ورئيس العلاقات المؤسسية في منظمة ميد أور الإيطالية، يقول إن عدم الاستقرار الذي يحيط بأوروبا بدءًا من أوكرانيا ولكن دون نسيان جبهتي القطب الشمالي والبحر المتوسط يعد علامة على أن القارة الأوروبية يجب أن تتعامل مع بُعدها الخارجي بإحساس متجدد بالمسؤولية..
وقال مانتشولي، في مقابلة مع مجلة “إيربريس” الإيطالية، إن ما يحدث في أوكرانيا يجب أن يكون درسًا لأوروبا التي يجب أن تفهم كيف أصبح من الضروري الآن تحمل مسؤولية أكبر في حال أرادت ضمان أمن حدودها بدءًا من الحدود الشرقية، ولكن مع الانتباه أيضاً إلى القطب الشمالي و الجنوب حيث البحر الأبيض المتوسط الموسع وفي إفريقيا.
وإلى المقابلة بحسب موقع “ديكود 39” الإيطالي:
بعد عام من الغزو الروسي لأوكرانيا ما الدروس التي يجب أن تتعلمها أوروبا من وجهة نظركم؟
هناك ضرورة لإجراء تحليل جاد لما يحدث. سنكون مخطئين جداً إذا أردنا قصر المشكلة على أوكرانيا وحدها لأن الهشاشة وانعدام الأمن موجودان على طول جميع حدود القارة الأوروبية. دعم أوكرانيا اليوم يعني الدفاع عن مستقبل أوروبا كلها غدًا. ثم هناك قضية القطب الشمالي المنسية للغاية والتي ستصبح قريبًا مسرحًا لصدام اقتصادي وأمني بين القوى التي ستنعكس بشكل كبير على أوروبا. ثم هناك المشكلة الهائلة للجبهة الجنوبية البحر الأبيض المتوسط الموسع.
ما السيناريو الحالي في جنوب أوروبا؟
السنوات الماضية اتسمت بفجوة متزايدة بين الضفة الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط. في عام 2011 كانت أوروبا تخطط لإنشاء منطقة تجارة حرة ضخمة في الحوض وجرى إطلاق حملة تمويل في مؤتمر برشلونة. إن البحر المتوسط يعد اليوم مسرحًا للعديد من عوامل انعدام الأمن، ومن بينها صدمة الهجرة والتي تشمل مشاكل مثل الإرهاب والأزمة الاقتصادية والمناخية والمشاكل المتعلقة بالموارد المائية والغذائية. كل هذا تحول بالنسبة لأوروبا إلى حدود جنوبية غير مستقرة مليئة بالمشاكل التي يجب مواجهتها ومثال على هذا ما نراه في تونس والشرق الأوسط.
تعاني تونس وهي الديمقراطية الوحيدة التي تطورت بعد الربيع العربي بسبب انتظار قرار الدعم من قبل صندوق النقد الدولي الذي قد يمنعها من التعثر في السداد. في حال سقطت تونس فإن النظام الاقتصادي والاجتماعي للمغرب العربي كله سيزداد سوءًا ومعه أيضاً قضية الهجرة. لكن في الشرق الأوسط يجب علينا أن نتعامل مع نشاط متجدد لإيران. إن طهران تساعد روسيا عسكريًا كما تعزز علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد وتكثف شبكة وكلائها في البحر المتوسط من فلسطين إلى حزب الله ومن حركة حماس إلى الجهاد الفلسطينية. هناك محاولات للقضاء على الاتفاقيات الإبراهيمية وزعزعة استقرار حوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله. ستكون أزمة إذا حدث هذا الأمر. لا يمكن لأوروبا أن تقف متفرجة وتراقب. هناك ضرورة لتنشيط العلاقات مع إسرائيل والأردن ودول الخليج.
فضلاً عن ذلك هناك الآثار على الجبهة الجنوبية بسبب الحرب الأوكرانية..
لدينا بلا شك من الساحل إلى القرن الأفريقي وجود روسي مهم عبر مجموعة فاجنر الروسية. رأينا ما يمثله نشاطهم في مالي ووسط إفريقيا. إن أفريقيا هي القارة التي شهدت أكبر امتناع عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي. روسيا مع الصين (وإلى حد ما تركيا) تعملان على تفعيل استراتيجية مناهضة لأوروبا في إفريقيا مع استخدام أدواتهم لزعزعة استقرار القارة.
كيف تحركت أوروبا أمام هذا الأمر؟
أوروبا حالياً أمام مشكلة هوية حقيقية وبالتالي مشكلة إستراتيجية. حقيقة أن أوروبا محاطة بالمشكلات على طول كل حدودها هي في الواقع انتقاد للطريقة التي وضعت بها أوروبا نفسها في السنوات الأخيرة. لا يمكن لأوروبا أن تتواجد إذا لم تكن قادرة على تأمين حدودها.
مؤسسة ميد أور نظمت مؤخراً اجتماعًا لإعادة إطلاق العلاقات بين إيطاليا وفرنسا في البحر المتوسط. ماذا عن نتيجة الاجتماع؟
الاجتماع كان إيجابيًا للغاية حيث سمح لنا ليس فقط بمعالجة جميع المشكلات المتعلقة بحوض البحر الأبيض المتوسط ولكن أيضًا للتأكيد على أهمية الحديث بوضوح بين الدول الأوروبية. لا جدوى من الصراع لأن الأهم هو تشجيع مناقشة سياسية في الحكومات الأوروبية تهدف إلى عملية تعاون تعزز الحوار والنشاط الأوروبي على الساحة العالمية. هناك حاجة إلى شراكة سياسية كبيرة على المستوى الأوروبي و أعتقد أنه سيكون من الضروري أيضًا إعادة إطلاق الحوار مع بريطانيا.
ما دور أوروبا في هذا الصدد؟
على أوروبا معرفة كيف تبني سياسات نشطة وشراكات إيجابية مع دول الجوار حتى يمكن تنفيذ المشاريع الكبرى لمستقبل المنطقة، لكنني أقول الكوكب، دون انتظار تدهور الوضع. حان الوقت بالنسبة لأوروبا لتتحمل مسؤوليتها مع معالجة المشكلات العالمية العميقة بدءًا من تلك الخاصة بالبحر الأبيض المتوسط الموسع.
هذا يعني أمرين. الأول ضرورة استبدال خطة المساعدة لعام 2011 بمشروع استثماري كبير يهدف إلى استقرار الحدود عند 360 درجة. وحين تتم مناقشة خطط المساعدة لإعادة إعمار أوروبا الشرقية، على أوروبا أيضًا اتخاذ إجراءات موازية تجاه الشمال في القطب الشمالي و الجنوب في إفريقيا والشرق الأوسط. إن أوكرانيا يجب أن تكون درس لنا. الأمر الثاني هو أنه على أوروبا إنشاء قوة انتشار سريع تسمح لها بالتدخل في الأزمات بشكل مستقل في حالة الضرورة وذلك مع الحلفاء.